الإنقاذ وأطفال دار فور
مقدم صداق للثورة القادمة
(2)
د. حامد البشير إبراهيم
[email protected]
كغيرها من بقية مشاكل السودان وفي خلال زمن وجيز تحولت مسألة أطفال دار فور المختطفين إلي قضية دولية شملت كل من فرنسا وتشاد والسودان وأسبانيا وربما دخل فيها الطرفان الإقليميان: الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي طالما أن الحادثة قد جلبت إلي بعض الأذهان ذكرى تجارة الرقيق من سواحل إفريقيا الغربية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر عبر الأطلنطي عن طريق إصطياد الشباب الأقوياء بمساعدة البارود الأوروبي الذي جاءت به لتوها الثورة الصناعية في أوروبا كما وثقها الأديب والروائي الأمريكي من اصل إفريقي: ألكس هيلي في رائعته الجذور (The Roots) التي أدمت قلوب الملايين من وحشية الإنسان لأخيه الإنسان، وعلي هذا الوتر عزف الجاني الرحيم (الحكومة السودانية) التي أضحت تتسول مآسي التاريخ الإفريقي وتتعلق بكل ما هو معقول وغير معقول من الحجج والمحاولات المتناقضة للتكسب العاطفي هذه المرة بتقمص صورة وشخص "الإفريقي" المغلوب علي أمره والجدير بالشفقة الدولية أمام الاستعلاء والصلف الغربي منذ أيام تجارة الرقيق تلك والي الآن. ومن قبل قد حاول النظام السوداني إدارة مسرحية درامية أخرى بقصد إستدرار العواطف العربية في إظهاره لحرب دار فور بأنها حرب البسوس التي قامت بسبب سرقة جمل في ربع السودان الخالي (دار فور) في محاولة بهلوانية مكشوفة للتأكيد علي طبيعة المؤامرة الغربية والصهيونية ضد الوجود العربي (المغلوب علي أمره) في السودان وأن حرب دار فور ما هي إلا إحدى تجليات اغتصاب فلسطين في إفريقيا، بالأمس قد ضحك العرب كثيراً واليوم قد ضحك الأفارقة أكثر علي السودان الذي فقد حاسة التمييز بين أنواع الضحك، ضحك السخرية وضحك الإطراء.
إن سلوك النظام (الغريب) في إستنكاره لما حدث لأطفال دار فور في معسكرات اللاجئين في تشاد يعبر عن حالة نفسية (في بعض جوانبها) تستوجب الإسقاط (رمتني بدائها وإنسلت) وأيضا تستوجب التنفيس من جراء الهزائم الدبلوماسية التي مني بها (النظام السوداني) وهو يستجيب لطلب دون الآخر يصحبه تركيع وإنبطاح. ولكن في تلك الأثناء سرعان ما تنتاب النظام(وهو علي تلك الحالة) صحوة ضمير(إستثنائية) فيصيح في غير ما مناسبة مندداً بالغرب وبالعدوان (الثلاثي) وبالهجين ثم سرعان ما تزول عنه تلك الحالة العارضة ليوالي عمليات الانبطاح والتنازلات في وتيرة أصبحت معهودة للأجانب ولأهل البلد بمن فيهم أطفال دار فور.
من خلال القصف الصاروخي لهم والأرض المحروقة تحت أرجلهم في الوطن إلي محاولات الاختطاف والترحيل عبر الحدود يكون (مرة أخرى) قد دخل أطفال دار فور (التعساء) التاريخ العالمي من باب آخر مهين وسالب لكرامتهم ولكرامتنا ولكرامة الضمير الإنساني الحي. انه إحدى أبواب جهنم التي ظل يدخل ويخرج منها أطفال دار فور منذ مجاعة العام 1992م التي ضربت الإقليم وقتلت عشرات الآلاف منهم دون أن يسمع بهم أحد. ويبدو أن الأبواب المتاحة أمام أطفال دار فور كلها تقود إلي الخارج لا إلي الداخل حيث يقبع النظام السوداني الجائر علي أطفاله في دار فور .
بهذه السياسات التي يتبعها النظام السوداني تجاه دار فور حتماً إننا لا نقدم عربوناً للمستقبل في دار فور بل نقدم خميرة لعكننة وطنية قادمة تحذو حذو ما حدث وما سيحدث في الجنوب السوداني الذي يعيش الآن في حالة انفصال( جنيني) وكذلك الحال بالنسبة للوطن الكبير الذي هو في حالة موت سريري .
إن الأطفال هم المستقبل وأن ما يفعله النظام الحاكم في السودان في أطفال دار فور هو حقيقة استدانة من رصيد الوحدة ورصيد المستقبل السوداني. بعد هذه المعاناة الطويلة فان أطفال دار فور سيكونون في المستقبل القريب أطفالاً للحجارة ( كما هم الآن في معسكرات النازحين حينما يزورهم المسئولون الحكوميون) ، وبعدها سيكونون ثواراً وفدائيين في حركات مسلحة غاضبة توجه البارود نحو الصدور التي عاملتهم بلا رحمة....وحتماً هي ذات الرصاصات التي ستصيب الوطن في مقتل.
إن سياسات حكومة الإنقاذ تجاه الأطفال في دار فور قد تركتهم بلا مأوى وشردتهم من مدارسهم وقراهم وفصلتهم من أسرهم وجعلتهم مشردين في وطنهم ولاجئين في دول الجوار يعانون الحرمان والفاقة والجوع والمرض وابتزاز المنظمات الغير أمينة.
إن هذه السياسات الحكومية وما ترتب عليها علي الأطفال اليوم هي بالتأكيد عربون ومقدم صداق للثورة القادمة الأكثر عنفاً وللانفصال القادم من
دار فور هذه المرة . إن الانفصال القادم في دار فور سيقوده هؤلاء الأطفال التعساء بعد عقدين من الآن.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة